سيرة عباس بن فرناس
كان أبو القاسم عباس بن فرناس بن ورداس التكريني، والمعروف باسم عباس بن فرناس، مخترعًا، ومهندسًا، وطيارًا، وطبيبًا، وشاعرًا عربيًا وموسيقيًا أندلسيًا عاش في قرطبة (إسبانيا الحالية) في القرن الثامن، ويشتهر عباس بكونه أول شخص أشار إلى إمكانية القدرة على الطيران من خلال تجربته عندما قفز من مكان مرتفع في آلة الطيران الخاصة به والمصنوعة من إطار من الخيزران مغطى بقطعة قماش حرير وريش الطيور، وقد تمكن هذا العالم من الطيران إلا أن ذلك لم يدم إلا لعشر دقائق وبعدها تعرض للسقوط وتحطمت طائرته وأصيب في ظهره، ومع ذلك فقد كانت تجربته بداية الطريق في تمكّن البشر من الطيران حاليًا.
بعد الحادثة المؤسفة كتب عباس بن فرناس كتابًا أظهر فيه ضرورة وجود ذيل لتحقيق الاستقرار في الطيران، وعلاوة على المساهمة في الطيران، كان لعباس الفضل في العديد من الاختراعات الأخرى التي تشمل على الزجاج الشفاف المستخدم لتصحيح الرؤية، وساعة مياه وجهاز لقطع الكريستال الصخري، وقد تم الاعتراف بإنجازاته من خلال تسمية حفرة على سطح القمر باسمه، وتسمية مطار في بغداد باسم مطار ابن فرناس، وكذلك سُمي جسر فوق نهر غوادالكويفير في كوردوفا باسمه، ويُشار إلى أنه بالرغم من أن العالم يتذكر الأخوان رايت كأول شخصان صنعا آلة للطيران إلا أن الفضل الأول يرجع إلى العالم عباس بن فرناس لمخاطرته بحياته من أجل تأليف كتاب ألهم من خلاله الآخرين ومهد لهم الطريق للبحث في موضوع الملاحة الجوية.[1]
اختراعات عباس بن فرناس
ساهم العالم عباس بن فرناس بتطوير واختراع أشياء كثيرة في حياته وتميز باهتمامه بالعلم والتكنولوجيا، وبعض من اختراعاته الشهيرة هي:[2]
- آلة الطيران: صنع عباس بن فرناس أول آلة طيران في العام 875 وقد استخدم في بنائها إطار من الخيزران، وغطى الإطار بقطعة قماش من الحرير الخفيف وريش النسور، وقد كانت أجنحة آلة الطيران متحركة بحيث يمكن التحكم فيها أثناء الرحلة، ويُشار إلى أنه عندما انتهى العالم من صناعة هذه الآلة جمع جمهورًا كبيرًا ليكونوا شاهدين على الرحلة، وبعد ذلك قفز ابن فرناس من جرف كبير، وكما أشرنا سابقًا تمكن من الطيران لمدة عشر دقائق فقط وذلك بسبب وجود خطأ بتصميم الآلة حيث إنها لم تحتوي على جزء يُمكن استخدامة في التوازن والمساعدة في الهبوط، ونتيجة لذلك وقع حادث له أثناء الهبوط تسبب له بإصابات خطيرة، وفي وقت لاحق ذكر في كتابه عن ضرورة وجود ذيل لآلة الطيران كي يكون الهبوط نجاحًا.
- الزجاج الشفاف: وهو من الاختراعات المهمة، وقد توصل لهذا الاختراع بعد أداء تجارب على بلورات الرمل والكوارتز لفهم خصائصها، بالإضافة إلى ذلك يُعد عباس بن فرناس هو أول من صنع عدسات من الزجاج الشفاف من أجل استخدامها لتصحيح مشاكل البصر لدى كثير من الناس.
- ساعة تعمل بالطاقة المائية: تمكن العالم ابن فرناس من تصميم ساعة تعمل بالطاقة المائية من خلال مبدأ تدفق المياه وقد عُرفت باسم الميقاتة واستخدمت من أجل معرفة الوقت الدقيق.
تجربة عباس بن فرناس في الطيران
مرّت تجربة العالم ابن فرناس في الطيران بمرحلتين أساسيتين، وهما:[3]
- تجربة الطيران الأولى: كان عباس بن فرناس في العادة خلال رحلته الأولى قادرًا على الطيران من دون مشاكل، ولكن كان عليه التعامل مع بعض الحوادث خاصة عند الهبوط، ففي رحلة الطيران الأولى في عام 852 لف ابن فرناس مجموعة من قطع الخشب المجمعة بمعطف مصنوع من مواد قوية بحيث يُشابه المعطف الجناحين كي يبدو للناظر كمن يحمل طائرة شراعية، وبعد ذلك صعد ابن فرناس إلى مئذنة أطول مسجد في قرطبة وقفز منها إلا أنه فشل في التحليق ولكنه كان محظوظًا بما يكفي للسقوط ببطء بدرجة كافية لتجنب الارتطام القوي وهذا منعه من التعرض لأي جروح شديدة.
- تجربة الطيران الثانية: كان ابن فرناس شخصًا ذكيًا يتعلم من تجاربه ولذلك بدأ على الفور إعادة بناء طائرته بعد الحادث، وصنع واحدة من ريش النسور والحرير، وبعد ذلك قام بمحاولة ثانية بالقفز من على منحدر مرتفع وهنا تجمع حشد كبير لمشاهدة محاولته الطيران، وألقى ابن فرناس خطابًا قبل أن يقفز من المنحدر قائلًا: "في هذه اللحظة .. أود أن أقول لكم وداعاً، سأحرك جناحي لأعلى وأسفل حتى أتمكن من الطيران كالطيور، وإذا سارت الأمور على ما يرام فسوف أتمكن من العودة إليكم بأمان"، وبعد ذلك قفز واستطاع الطيران لمدة عشر دقائق إلا أنه سقط بعدها خلال محاولته الهبوط وتحطمت طائرته وكسر ظهره، وبسبب ذلك لم يكن قادرًا على الطيران لبعض الوقت لكنه كان لا يزال سعيدًا بمحاولته فقد تمكن من خلال تجربته الثانية من اكتشاف أهمية الذيل عندما شاهد الطيور كيف تستخدم ذيولها للهبوط.
وفاة عباس بن فرناس
على الرغم من أن العالم ابن فرناس اكتشف لاحقًا أنه فشل في توفير آلية ثبات مماثلة لذيل الطائر الذي سمح له بإبطاء هبوطه، إلا أن إصابته وعمره منعاه من تكرير تصميماته للمرة الثالثة، ولذلك لم يقم بأي محاولة أخرى للطيران حتى توفي بعد 12 عامًا من حادثة سقوطه عن عمر بلغ 77 عامًا، وعلى الرغم من أن الكثير من الناس في العالم قد لا يعرف هذا العالم الجليل إلا أن ابن فرناس يعد بطلاً خاصة في العالم الإسلامي.[4]
تجارب الطيران بعد وفاة عباس بن فرناس
بعد أن توفي ابن فرناس تابع المسلمون وغير المسلمين مساعي الطيران وأُجريت العديد من محاولات الطيران، حيث قام الجوهري، وهو مدرس تركستاني، بمحاولة للطيران من مئذنة مسجد أولو في عام 1002 باستخدام أجنحة مصنوعة من الخشب والحبال إلا أنه توفي على الفور بسبب تأثير السقوط، وكما نسي ابن فرناس استخدام الذيل للهبوط تكرر الأمر مع الراهب الإنجليزي إيلمر أوف مالمسبري في القرن الحادي عشر، ونتيجة لذلك تعرضت ساقيه للكسر أثناء قفزه من برج على ارتفاع 183 مترًا (600 قدم) في عام 1010.
بعد هاتين المحاولتين للطيران، أصبح تاريخ الطيران صامتًا حتى انتشار أعمال الفنان الشهير فلورنتين والعالم ليوناردو دافنشي، حيث يعد ليوناردو هو المهندس الرئيس لإقامة تفكير علمي مناسب في البحث عن رحلة طيران على الرغم من أنه لم يحاول الطيران بنفسه، وقام بمناقشة العديد من الرسومات المتعلقة بالطيران ورسمها على الورق بما في ذلك الجهاز المجنح للطيور والذي صُمّم ليكون مربوطًا على ظهر الشخص، وشملت الرسومات الأخرى على طائرة شراعية.
في القرن السابع عشر استخدم هزارفن أحمد سيلبي، وهو عالم تركي ريش نسر للطيران، وبعد تسع محاولات تجريبية قرر أخيرًا تحديد شكل الجناحين وقام برحلته الأكثر شهرة في عام 1638 من قمة برج بالقرب من مضيق البوسفور في اسطنبول، وقد هبط بنجاح على الجانب الآخر من المضيق، وبعد الرحلة الناجحة على مضيق البوسفور كان الأخوان مونتجولفير هم أول من أعلنوا عن آمالهم في رحلة جوية باستخدام نموذج منطاد من الهواء الساخن، وبعد بضعة أسابيع أصبح أستاذ العلوم جان فرانسوا بيلاتير دي روزييه مع ماركيز دارلاند وهو ضابط مشاة أول المسافرين من خلال الجو عندما طاروا لمسافة 9 كيلو مترات فوق باريس في منطاد هواء ساخن.[5]