نبذة عن التعليم في الصين
لطالما كان التعليم ذا قيمة كبيرة في الصين، حيث يعتقد الناس أن التعليم لا يضمن مستقبل الفرد وتطوره فحسب بل يضمن أيضًا الأسرة والدولة ككل، ولذلك أولت الصين دائمًا أهمية كبيرة لنظام التعليم.
منذ عهد أسرة شانغ كانت النقوش على العظام أو أصداف السلحفاة هي السجلات البسيطة للتعليم والتعلم، وفي عهد أسرة تشو الغربية بنى النبلاء مدارس لتعليم أطفالهم حيث كانوا يأملون أن يصبح أولادهم مسؤولي المستقبل، أما أولئك الذين كانوا من عائلة فقيرة ولكنهم يتمتعون بموهبة كبيرة فلم يسمح لهم بالانخراط بالعملية التعليمية.[1]
هيكل نظام التعليم الصيني
ينقسم التعليم في الصين إلى ثلاث فئات: التعليم الأساسي والتعليم العالي وتعليم الكبار، وبموجب القانون يجب أن يحصل كل طفل على تسع سنوات من التعليم الإلزامي من المدرسة الابتدائية (ست سنوات) إلى التعليم الثانوي (ثلاث سنوات)، وفيما يلي المزيد من التفاصيل:[2]
'التعليم الأساسي'
يشمل التعليم الأساسي في الصين التعليم قبل المدرسي (عادة ثلاث سنوات) والتعليم الابتدائي (ست سنوات، وعادة ما يبدأ في سن السادسة) والتعليم الثانوي (ست سنوات)، ويتضمن التعليم الثانوي مساران هما: التعليم الثانوي الأكاديمي والتعليم الثانوي المتخصص / المهني / الفني.
يتكون التعليم الثانوي الأكاديمي من المدارس الإعدادية (ثلاث سنوات) والثانوية (ثلاث سنوات)، وبعدها يخضع خريجو المدارس الإعدادية المبتدئين الذين يرغبون في مواصلة تعليمهم لامتحان دخول يُدار محليًا، وعلى أساسه يسمح لهم إما بالاستمرار في مدرسة إعدادية عليا، أو الالتحاق بمدرسة إعدادية مهنية أو ترك المدرسة في هذه المرحلة لتلقي سنتين إلى أربع سنوات من التدريب، ويجب على خريجي المدارس الإعدادية الراغبين في الالتحاق بالجامعات اجتياز امتحان القبول الوطني للتعليم العالي (Gao Kao).
'التعليم العالي'
ينقسم التعليم العالي أيضًا إلى فئتين، هما: الجامعات التي تقدم درجات جامعية مدتها أربع سنوات أو خمس سنوات لمنح مؤهلات الدرجة الأكاديمية، والكليات التي تقدم دبلومًا أو شهادة لمدة ثلاث سنوات في المواد الأكاديمية والمهنية، أما برامج الدراسات العليا والدكتوراه فتقدم فقط في الجامعات.
'تعليم الكبار'
يتراوح تعليم الكبار من التعليم الابتدائي إلى التعليم العالي، ويشمل التعليم الابتدائي للكبار مدارس العمال الابتدائية ومدارس الفلاحين الابتدائية في محاولة لرفع مستوى معرفة القراءة والكتابة في المناطق النائية، أما التعليم الثانوي للكبار فيشمل المدارس الثانوية المتخصصة للكبار بالإضافة إلى جامعات الراديو / التلفزيون التقليدية والتي يمنح معظمها شهادات / دبلومات ولكن القليل منها يمنح شهادات جامعية منتظمة.
ينقسم العام الدراسي إلى فصلين دراسيين لجميع المؤسسات التعليمية، يبدأ الفصل الأول من فبراير إلى منتصف يوليو، والثاني من سبتمبر إلى منتصف / أواخر يناير، وتبدأ معظم المدارس تدريسها من الصباح الباكر (حوالي 7:30 صباحًا) إلى بداية المساء (حوالي 6 مساءً) مع استراحة غداء لمدة ساعتين، ويُذكر أن العديد من المدارس لديها فصول دراسية مسائية للدراسة الذاتية تبدأ من الساعة 7 مساءً وحتى 9 مساءً حتى يتمكن الطلاب من إنهاء واجباتهم المدرسية والاستعداد للاختبارات، وإذا كانت المدارس لا تدير فصولًا مسائية للدراسة الذاتية فيتعين على الطلاب أداء واجباتهم المدرسية في المنزل وعادة حتى الساعة 10 مساءً.
يقضي تلاميذ المدرسة الابتدائية في المتوسط حوالي سبع إلى ثماني ساعات في المدرسة بينما يقضي طالب المدرسة الثانوية حوالي اثنتي عشرة إلى أربع عشرة ساعة في المدرسة ويشمل ذلك وقت الغداء والفصول المسائية، وتعقد العديد من المدارس فصولًا صباحية إضافية في العلوم والرياضيات لمدة ثلاث إلى أربع ساعات يوم السبت.
تاريخ التعليم في الصين
تتضمن الأحداث التاريخية للتعليم في الصين على:[3]
- بحلول عام 2000 قبل الميلاد، تطور التعليم الصيني إلى مستوى المؤسسات التي أُنشئت خصيصًا لغرض التعلم، ومنذ عام 800 إلى 400 قبل الميلاد ظهر في الصين كل من "Guoxue" (المدارس الحكومية) و"xiangxue" (المدارس المحلية)، حيث سيطر كيجو (نظام امتحانات الخدمة المدنية) على التعليم في الصين التقليدية والذي بدأ في التطور حوالي عام 400 بعد الميلاد ووصل إلى ذروته خلال عهد أسرة تانغ (618-896)، ويُذكر أن الكيجو كان في الأساس عبارة عن برنامج بحث قائم على المفهوم الكونفوشيوسي عن الجدارة، وقد ظل نظام امتحانات الخدمة المدنية هذا هو السبيل الحصري تقريبًا للمناصب الحكومية للنخبة المتعلمة في الصين لأكثر من 1000 عام.
- تاريخياً، كان التعليم الرسمي امتيازاً للأثرياء، وكان إتقان اللغة الصينية الكلاسيكية - التي تتكون من نسخ مختلفة مكتوبة ومنطوقة وتفتقر إلى الأبجدية - تتطلب وقتًا وموارد لا يستطيع معظم الصينيين توفيرها، ونتيجة لذلك كان معدل الأمية في الصين في معظم تاريخها مرتفعًا للغاية حتى بلغ 80%، وكانت النتيجة أمة من الأمية الجماعية تهيمن عليها النخبة البيروقراطية المتعلمة تعليمًا عاليًا في التقاليد الكونفوشيوسية الكلاسيكية.
- أُنشئت أقدم المدارس الحكومية الحديثة لتوفير التعليم في الموضوعات الغربية مثل العلوم والهندسة والتطوير العسكري لمعالجة التوغل الغربي والحفاظ على سلامة الثقافة الصينية ونظام الحكم، وكان هدف هذه المدارس هو التحديث التكنولوجي من خلال تقليد الغرب مع الحفاظ على جميع الجوانب التقليدية للثقافة الصينية، ولذلك لم تُدمج هذه المدارس في نظام امتحانات الخدمة المدنية.
- في عام 1898، أصدر الإمبراطور غوانغ شو - بدعم من كانغ يوي وليانغ كيتشاو الإصلاحيين المعروفين - سلسلة من المراسيم لبدء إصلاحات شاملة في التعليم الصيني، وتضمنت الإجراءات إنشاء نظام للمدارس الحديثة في متناول الغالبية العظمى من السكان، وإلغاء نظام الامتحانات الصارم لاختيار المسؤولين الحكوميين وإدخال اختبارات مقالية قصيرة وعملية.
- بين عامي 1901 و1905 أصدرت محكمة تشينغ سلسلة جديدة من مراسيم إصلاح التعليم، وأُعيد تنظيم الأكاديميات القديمة التي دعمت امتحانات الخدمة المدنية، وأُنشئ نظام مدرسي حديث على أُسسها مع المستويات الابتدائية والثانوية والجامعية التي تعكس النماذج الغربية، وأُعيد تنظيم المدارس في جميع أنحاء الصين في ثلاث مراحل رئيسية وسبعة مستويات، تضمنت مرحلة التعليم الابتدائي الذي يتألف من رياض الأطفال، وكذلك المرحلة الابتدائية الدنيا والابتدائية العليا، ومرحلة التعليم الثانوي من المدرسة المتوسطة، ومرحلة التعليم العالي المقسم إلى مدرسة إعدادية وكلية متخصصة وجامعة، ويُذكر أن محكمة تشينغ أصدرت تعليماتها إلى حكومات المقاطعات والمحافظات بفتح مدارس جديدة وبدء برنامج التعليم الإلزامي.
- بعد ست سنوات انتهى تقاليد الأسرة الحاكمة في الصين عندما حلت محلها الجمهورية القومية الجديدة، ومع هذا التحول السياسي شهد النظام التعليمي في الصين مزيدًا من التحولات، حيث خلق البحث عن الأمة الحديثة والازدهار الاقتصادي العصر الذهبي الأول للتعليم في الصين الحديثة، وتمتع التعليم في الصين بفترة نادرة من النمو المستمر حيث سعت حكومة بكين بحماس إلى تطوير التعليم في كل من القطاعين العام والخاص كعنصر أساسي في برنامج بناء الأمة القومي.
- في عام 1912 و1913 أصدرت الحكومة الجمهورية اللوائح فيما يتعلق بالمدارس العامة والمدارس الخاصة واللوائح فيما يتعلق بالجامعات الخاصة، حيث حددت هذه الوثائق معايير المدارس الخاصة ونصّت على إجراءات التقديم والتسجيل الصحيحة، ودعت إلى الاستثمار المالي في التعليم على مستوى الدولة.
- أدى اندلاع الحرب الصينية اليابانية في عام 1937 والغزو الياباني السريع للمناطق الساحلية في الأشهر التالية مباشرة إلى تغيير الوضع التعليمي بدرجة كبيرة، ونتيجة للعمليات العسكرية دُمّر 70% من المؤسسات الثقافية الصينية، وبحلول 1 نوفمبر 1937 تعرض ما لا يقل عن 24 مؤسسة للتعليم العالي للقصف أو الهدم من قبل اليابانيين، وأُغلق سبعة وسبعون من مؤسسات التعليم العالي، ونتيجة لذلك تراوح معدل الاحتفاظ بالهيئات الطلابية الأصلية لهذه المؤسسات من 25% إلى 75%.
- بعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية تابعت الحكومة الشيوعية الجديدة أساس "التعلم من الاتحاد السوفياتي" والذي ميز عملية التقليد الغربي في العقود السابقة، وأُعيد تنظيم النظام التعليمي الوطني بأكمله لأول مرة ليتوافق مع النموذج السوفيتي في 1952-1953، وأُعيد تنظيم التخصصات المتبقية من الجامعات القديمة في كليات فنية منفصلة أو دمجت مع المعاهد المتخصصة القائمة، وباتباع المثال السوفياتي أيضًا، قُدّمت خطط تدريس ومناهج ومواد وكتب مدرسية موحدة على المستوى الوطني لكل تخصص أكاديمي.
- أدخلت القفزة العظيمة للتعليم لعام 1958 إصلاحات تعليمية كجزء من استراتيجية جديدة شاملة للتعبئة الجماهيرية من أجل التنمية الاقتصادية، ومن أجل إنهاء التأثير المستمر لأفكار ما قبل الثورة مثل "لا يمكن قيادة التعليم إلا من قبل الخبراء" و"الفصل بين العمل العقلي واليدوي" بالإضافة إلى تعزيز قيادة الحزب، أصدرت وزارة التربية والتعليم (MOE) توجيهًا في 19 سبتمبر 1958 تضمن إطلاق الإصلاحات التربوية، وطالبت الجامعات بملء المناصب القيادية الأكاديمية والإدارية بأعضاء الحزب، وأصبح العمل المنتج جزءًا من المناهج الدراسية في جميع المدارس على جميع المستويات، وبصورة أكثر تحديدًا أُقيمت مدارس نصف العمل / نصف الدراسة للوفاء بمهمة تعميم التعليم بسرعة للجماهير لأن هذه المدارس يمكن أن تدار على أساس الدعم الذاتي دون مساعدة مالية من الدولة، كما نصت توجيهات الحزب على عدم ضرورة وجود طاقم تعليمي محترف، حيث يُكتفى بأي شخص يستطيع التدريس.
- كسرت الثورة الثقافية قوة البيروقراطية التعليمية القائمة والأكاديميين المحترفين وأي قادة حزبيين ساندوهم، وهذا يمثل إلغاء نهائي للعقبات التي فرضتها المؤسسة الفكرية الصينية دائمًا ضد الإصلاح الجذري للنظام التعليمي ككل مما أدى إلى تخفيض عام في المعايير الأكاديمية لا سيما في التعليم العالي، ونتيجة للتجريب في هذا المجال انخفض محتوى مناهج الكلية في المتوسط بمقدار النصف، ومع سياسة إرسال شباب المدن إلى المناطق الريفية "لإعادة تثقيف الفلاحين" نتج ملايين من الشباب غير الراضين الذين فشلوا في التكيف مع نمط الحياة الريفية.
- بعد وفاة ماو تسي تونغ بدأت فترة الإصلاح لدنغ شياو بينغ بمؤتمر وطني كبير للتعليم في أبريل 1978 والذي تخلى عن أهداف الثورة الثقافية المتمثلة في الصراع الطبقي واعتمد التحديث باعتباره الهدف الرئيسي لتطوير التعليم، وقد شهدت الأمة حقبة جديدة مميزة من إعادة الإعمار السريع والتوسع في جميع مستويات التعليم وخاصة التعليم العالي، ففي كل من القطاعين الرسمي وغير الرسمي كان أحد أهداف الإصلاحات أن يكون التعليم على مستوى الكلية شرطًا أساسيًا لجميع المسؤولين بما في ذلك القادة على مستوى المقاطعة، وهذا هدف لم يتحقق بعد في القرن الحادي والعشرين لكنه بدأ بالفعل في إعادة الاندماج السياسي للمثقفين الصينيين داخل الطبقة الحاكمة.
- تغير المشهد في التعليم العالي في جمهورية الصين الشعبية بسرعة منذ التسعينيات، ومع الدافع المتزايد لتحديث الصين من خلال دمج قوى السوق الحرة أدخلت الحكومة إصلاحات جديدة جذرية لخصخصة التعليم، وتشمل أحدث الإصلاحات إدخال رسوم الطلاب، وإلغاء التخصيص الوظيفي المضمون بعد التخرج، وتوطين المؤسسات وتطوير المؤسسات التعليمية الخاصة.
أهمية التعليم في الصين
يعد النظام التعليمي في الصين وسيلة رئيسية لغرس القيم وتعليم المهارات اللازمة لشعبها، وتعلّق الثقافة الصينية التقليدية أهمية كبيرة على التعليم كوسيلة لتعزيز قيمة الفرد وحياته المهنية، ففي أوائل الخمسينيات من القرن الماضي عمل الشيوعيون الصينيون بجدٍ لزيادة معدل محو الأمية في البلاد وهو جهد أكسبهم دعمًا كبيرًا من السكان، ومع ذلك وبحلول نهاية ذلك العقد لم تعد الحكومة قادرة على توفير وظائف كافية لتلبية توقعات أولئك الذين حصلوا على بعض التعليم الرسمي، وقد ساهم بذلك تقلص الميزانيات التعليمية، ومناهضة الفكر المتأصل في فترات الحملة الجماهيرية الأكثر راديكالية والتي أثرت على مكانة ونوعية الجهد التعليمي، حيث جعلت هذه الضغوط المتضاربة السياسة التعليمية مقياسًا حساسًا للاتجاهات والأولويات السياسية الأكبر، وسرعان ما أثر التحول إلى التنمية الاقتصادية السريعة والبراغماتية كهدف وطني مهيمن في أواخر السبعينيات على النظام التعليمي في الصين.
يشمل الهيكل التعليمي الصيني كما ذُكر سابقًا مدة ست سنوات من المدرسة الابتدائية، وثلاث سنوات لكل من المدرسة الثانوية الإعدادية والمدرسة الثانوية العليا، وأربع سنوات في المستوى القياسي منهج جامعي، وتمول الدولة جميع المدارس الحضرية بينما تعتمد المدارس الريفية بصورة أكبر على مواردها المالية الخاصة، وتؤكد السياسة الرسمية على الإنجاز المدرسي مع التركيز على العلوم الطبيعية، كما يُبذل جهد كبير لتعزيز فرص التدريب المهني للطلاب الذين لا يحضرون الجامعة، وفي ذلك يمكن القول أن جودة التعليم المتاح في المدن في العموم أعلى من تلك الموجودة في الريف على الرغم من بذل جهود كبيرة لزيادة الالتحاق في المناطق الريفية في جميع مستويات التعليم.
كان الاتجاه التقليدي في التعليم الصيني يسير نحو عدد أقل من الطلاب ومعايير مدرسية أعلى مما أدى إلى نظام تعليمي هرمي حاد، ولكن ساهم زيادة الالتحاق على جميع المستويات ولا سيما خارج المدن بعكس هذا الاتجاه تدريجيًا، وأصبح الالتحاق بالمدارس الابتدائية شاملاً تقريبًا، ويتلقى جميع هؤلاء الطلاب تقريبًا بعض التعليم الثانوي حيث يلتحق حوالي ثلث خريجي المرحلة الإعدادية بالمدارس الثانوية.[4]