مقدمة عن الحضارة الإسلامية
الحضارة الإسلامية هي اليوم وكانت في الماضي مزيجًا من مجموعة واسعة من الثقافات، وتمتد من الحكومات والبلدان من شمال إفريقيا إلى المحيط الغربي للمحيط الهادئ، ومن آسيا الوسطى إلى إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ويُشار إلى أن الإمبراطورية الإسلامية الواسعة نشأت في القرنين السابع والثامن الميلادي، ووصلت إلى المجد من خلال وحدتها وانتصارها في سلسلة من الفتوحات إلا أن تلك الوحدة تفككت في القرنين التاسع والعاشر كي تولد من جديد وتستعيد نشاطها مرارًا وتكرارًا لأكثر من ألف عام.
طوال هذه الفترة، نهضت الدول الإسلامية وسقطت عدة مرات، واستوعبت واحتضنت الثقافات والشعوب الأخرى، وبُنيت مدن عظيمة، وأُنشئت شبكة تجارية واسعة، وفي الوقت نفسه سارت الإمبراطورية في تقدم كبير في مجالات الفلسفة، والعلوم، والقانون، والطب، والفن، والعمارة، والهندسة والتكنولوجيا، وبات العنصر الأساسي للإمبراطورية الإسلامية هو الدين الإسلامي مع تباين على نطاق واسع في الممارسة والسياسة، ويُشار إلى أن كل فرع من فروع وطوائف الدين الإسلامي اليوم يعتنق التوحيد، وفي بعض النواحي يمكن اعتبار الدين الإسلامي حركة إصلاحية ناشئة عن اليهودية التوحيدية والمسيحية قبل التحريف، وقد عكست الإمبراطورية الإسلامية هذا الاندماج الثري.[1]
ظهور الدين الإسلامي
ولد محمد في مكة عام 570 م وقد تيتم في سن مبكرة، وعندما كبر عمل عليه الصلاة والسلام في رعاية الأغنام لسيدة ثرية اسمها خديجة كان قد تزوجها لاحقًا، وقد بدأ محمد - صلى الله عليه وسلم - بالوعظ بالدين الجديد منذ عام 610، حيث دعا إلى عبادة إله واحد وهو الله عز وجل.
في البداية، كان سكان مكة يعارضون تعاليم محمد -صلى الله عليه وسلم - وهكذا في عام 622 أجبروه على الفرار إلى مدينة يثرب والتي تسمى الآن المدينة المنورة، وقد عُرفت هذه الرحلة باسم الهجرة ومعها بدأ العصر الإسلامي، فقد بدأ احتساب السنوات العربية من هذا التاريخ، وبعد ذلك بوقت قصير جند محمد - صلى الله عليه وسلم - جيشًا وغزا مكة (في 630) وكانت النتيجة اعتناق معظم المواطنين الإسلام عن طيب خاطر ودون إكراه، وبعد ذلك بعامين توفي محمد - عليه الصلاة والسلام - لكن العرب كلهم كانوا متحدين تحت تعاليمه.
كان مذهب محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي بشر به هو الإسلام وهو ما يعني الخضوع لله تعالى في حين يطلق على أتباعه اسم المسلمين، ويُشار إلى أن الإسلام مبني على عقيدة أساسية وهي الإيمان بإله واحد، وبنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - وقد وضعت المبادئ الأساسية لهذا الدين في كتاب المسلمين المقدس وهو القرآن الكريم، وحث على أن يعطي الغني الزكاة للفقير، وحث كذلك على الصلاة، وصيام شهر رمضان المبارك والحج إلى بيت الله الحرام، وجهاد الكفار من أجل الدفاع عن الإسلام.[2]
الخلفاء الراشدون
من خلال التالي من الممكن الاطلاع على جزء بسيط من انجازات الخلفاء الأربعة في ازدهار الحضارة الإسلامية:[3]
- الخليفة الأول: وهو أبو بكر الصديق والد زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - وقد كان خليفة للمسلمين لمدة عامين فقط من عام 632 حتى وفاته في عام 634، وعلى الرغم من قصر مدة الخلافة إلا أن إنجازاته كانت كثيرة، فخلال فترة حكمه عمل على توحيد القبائل العربية المختلفة وتمكن من ضم أراضٍ جديدة للمسلمين، وكان صاحب عدل وحكمة وتمكن كذلك في عام 633 من هزيمة التمرد على الإسلام، ويُشار إلى أن أبا بكر الصديق لم يؤمن الإسلام فحسب بل نشره في سوريا وفلسطين والعراق، وقد أراد أبو بكر توسيع أرضه من شبه الجزيرة العربية وخطط للتصدي لتهديدين آخرين قريبين وهما الإمبراطورية البيزنطية والإمبراطورية الساسانية، ولذلك بدأ بحملة ضدهم لكنه توفي قبل أن يتمكن من ذلك.
- الخليفة الثاني: وهو الفاروق عمر ابن الخطاب والد زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أم المؤمنين حفصة - رضي الله عنها - استمر حكمه من 634 إلى 644، وكانت فترة خلافته أطول بكثير من فترة أبي بكر، وقد تمثلت إنجازاته بالعديد من الانتصارات العسكرية التي ساعدت على نشر معتقدات الإسلام ونشر أقاليم وشعوب كبيرة تحت إدارة واحدة، فقد غزا دمشق في 635، والقدس في 637، وبابل في 641، والإسكندرية في 642، وتمكن من توحيد الأراضي في سوريا، ومصر، وبلاد فارس وشمال إفريقيا، ويُشار إلى أن عمر هو أول من وضع التقويم الإسلامي كي يُستخدم من قبل جميع المسلمين، وأجرى التعداد العام، وهو الذي بدأ ببناء المرافق العامة، وأنشأ إدارات الجيش، والتعليم، والسجون، والضرائب، والشرطة، والخزينة العامة، ونظم الجيوش والقضاة المعينين، وقد استخدم عمر سياسة التسامح الديني حتى يظل رعاياه الجدد موالين له، فعلى سبيل المثال لم يفرض اعتناق الإسلام تطبيقًا لأمر الله تعالى الأمر الذي استقطب أهل الكتاب الذين كانوا حتى عهد قريب تحت الحكم القمعي للبيزنطيين، وقد سمح لهم بعبادة دينهم مقابل قبول الحكم الإسلامي ودفع الديّة، وقد طبّق عمر العدالة في كل مكان وأثبت أنه نموذج لإقامة العدل، ولذلك تحولت إمبراطوريته لتصبح ثاني أكبر إمبراطورية في العالم بعد إمبراطورية الصين.
- الخليفة الثالث: وهو عثمان ابن عفان أحد أفراد الأسرة الأموية وخليفة للمسلمين لمدة 12 عامًا من 644 إلى 656، واصل عثمان سياسات الخلفاء السابقين المتمثلة بالعدالة والإنسانية للجميع، وفي عهده توسيع الإسلام ليشمل ليبيا، وقبرص، وأفغانستان، وأرمينيا وأذربيجان، ومن إنجازاته العمل على تنظيم البحرية، وتغيير الأقسام الإدارية، واستكمال العديد من المشاريع العامة، ويُشار إلى أن خلال مدة خلافته تمكن من إحباط الخلافات القبلية والقومية، والأهم من ذلك أنه كتب القرآن الكريم في نسخة كاملة وهذا مهم للغاية في توحيد المسلمين في كل مكان، وفي نهاية خلاقتة استشهد في تمرد وبدأت الوحدة بين المسلمين تنهار.
- الخليفة الرابع والأخير: وهو علي ابن أبي طالب صهر النبي - صلى الله عليه وسلم - وابن عمه، كان خليفة للمسلمين من عام 656 حتى عام 661، وكان عالمًا مخلصًا عادلًا شجاعًا وحكيمًا، وقد اختير ليكون الخليفة من قبل خصوم عثمان، ونتيجة لذلك لم يتم الاعتراف بانتخابه من قبل مؤيدي عثمان في سوريا، واندلعت حرب أهلية وطالبوا بمعاقبة قتلة عثمان، وعندما حاول علي - رضي الله عنه - التوصل إلى حل وسط معهم للحفاظ على السلام والوحدة، ثارت مجموعة من أنصاره تسمى الخوارج ضده واغتالوه، وقد أدت الأحداث والخلافات حول قواعد الخلافة إلى حدوث انقسام بين المسلمين إلى مجموعتين سنية وشيعية استمرت منذ ذلك الحين إلى اليوم.
مع وفاة علي - رضي الله عنه - انتهت المرحلة الأولى والأكثر نجاحًا في تاريخ الإسلام، حيث كان الإنجاز الرئيس لأبي بكر هو تأمين النظام والوحدة بين القبائل في المنطقة التي غزاها النبي - صلى الله عليه وسلم - أما عمر فكان مسؤولاً عن التوسعات الإقليمية الكبيرة والإدارة في الأراضي التي ينتشر فيها الإسلام، وفي عهد عثمان استمر التوسع ودوّن القرآن الكريم لاستخدامه من قبل جميع المسلمين.
خصائص الحضارة الإسلامية
يوجد خمس خصائص رئيسة تميز الحضارة الإسلامية عن غيرها من الحضارات الإنسانية المتعاقبة في الماضي والحاضر وتضعها في مكانة متميزة، وهي:[4]
- حقيقة أنها حضارة قائمة على العقيدة الإسلامية، ومشبعة بقيمها ومبادئها، فهي حضارة توحيدية ترتكز على الإيمان بوحدانية الله تعالى خالق جميع المخلوقات، وهي أيضًا حضارة مبنية على خلفية دينية متينة من الإيمان.
- كونها حضارة ذات بعد إنساني وعالمي، ولا ترتبط بمنطقة جغرافية معينة أو عرق أو حقبة تاريخية، فهي تتعلق بجميع الشعوب والأمم ولها أصداء تصل إلى أجزاء مختلفة من العالم، وهي حضارة تحمي جميع البشر وتستند إلى فكرة أن للإنسان الأسبقية على بقية مخلوقات الله تعالى، وأن جميع الأنشطة البشرية يجب أن تؤدي إلى سعادة ورفاهية الإنسان وأن أي فعل يهدف إلى ذلك هو عمل مبارك.
- كونها حضارة كريمة استندت إلى الحضارات والثقافات الإنسانية التي عاشتها شعوب العالم القديم وساهمت بوفرة في تقدم العلم والمعرفة وقيم العدالة والمساواة والجمال والفضيلة، فقد استفادت البشرية من إنتاجها بغض النظر عن العرق أو اللون أو حتى الدين، فالمسلمون وغيرهم تعايشوا معًا داخل الحضارة الإسلامية.
- كونها حضارة متوازنة بصورة جيدة تضمن العدل والتوازن في الجوانب المادية والروحية مع الاعتدال المثالي الذي كان دائمًا سمة من سمات الفكر الإسلامي وخاصية مميزة للحضارة الإسلامية طوال تاريخها من دون إهمال ولا تطرف ولا تهور، فهو اعتدال مبني على العدل والإنصاف.
- كونها حضارة معمرة تدوم ما دام الإسلام لأنها تقوم على مبادئ الإسلام ذاتها التي سيحفظها الله تعالى إلى الأبد، وبالتالي فهي حضارة ذات خصائص فريدة من نوعها، وهي حضارة لا تذبل أبداً لأنها ليست حضارة وطنية أو عرقية ولا تتعارض مع الطبيعة الإنسانية.