مشروعية الصيام

مشروعية الصيام

كتب المقال بواسطة: خلدون عياصره  أخر تحديث على المقال: 00:00:00, 19 أغسطس 2020



المحتويات


 

تعريف الصيام

معنى الصيام في اللغة: الإمساك، قال الله تعالى: (فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا ۖ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا)[مريم:26]، ومعناه نذرت إمساكًا عن الحديث فلن أتكلم اليوم مع أي إنسان، ومنه قول الشاعر: "خيل صيام وخيل غير صائمة تحت العجاج وأخرى تعرك اللجما"، أما معنى الصيام في الشرع: فهو عبادة يتقرب بها الصائم لله سبحانه وتعالى من خلال الإمساك عن المفطرات من الأكل والشرب والجماع من طلوع الفجر الثاني وحتى غروب الشمس.[1]



مشروعية الصيام

كتب الله - سبحانه وتعالى - الصيام على جميع الأمم السابقة وفرضه عليهم، فقد جاء ذكر ذلك في قوله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[البقرة:183]، وهذا يدل على عظم هذه العبادة التي لا غنى للخلق عن التعبد بها لله سبحانه لما يترتب عليها من الخير والثواب والأجر الكبير الذي لا يعلمه إلا الله.


إن الصيام فرض واجب، وقد أشار إلى ذلك الكتاب والسنة والإجماع، أما في الكتاب فقد قال الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[البقرة:183] إلى قوله سبحانه: (فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)[البقرة:185]، وفي السنة  روى البخاري ومسلم عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - أنه قَالَ: قَالَ النبي -صلى الله عليه وسلم-: (بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ)[عبدالله بن عمر:حديث صحيح] وغيره من الأحاديث الداله على وجوب الصيام، وقد أجمع المسلمون في كل مكان على وجوب الصيام حيث إن إنكار وجوبه يعد كفر، ومن فعل ذلك فإنه يُسْتَتَاب فإن تاب وأقر بوجوبه وإلا فيقتل كافراً مُرْتَدًّا عن الدين، ولا يُغَسَّل ولا يُكفَّن ولا يُصلَّى عليه ولا تُطلب له الرحمة وهذا هو حكم الله عز وجل فيمن أنكر فرضية الصيام ولو كره ذلك الحكم الكثير من المنافقين في زماننا ممن يدعون إلى حريات الأديان وحريات الاعتقاد ويطالبون بإلغاء عقوبة المرتد، فإرضاء الله سبحانه وتعالى يجب أن يكون هو المقصد ولو غضب من غضب.


'من لا يجب عليه الصوم'

تسقط فريضة الصيام عن المجنون حتى يعقل وعن الصبي حتى يبلغ لما جاء عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ)[علي بن أبي طالب:حديث صحيح]، وفيما يخص الصغير فيجب على وليه أن يحثه على الصيام إذا أطاقه وذلك تمرينًا له على الطاعة كي يألفها عندما يبلغ وفي هذا اقتداء بالسلف الصالح -رضوان الله عليهم- فقد كانوا يُصَوِّمُون أولادهم وهم صغار، ويجعلون لهم لعبة من العِهْن (يعني الصوف أو نحوه) فإن بكوا من فقد الطعام أعطوهم اللعبة كي يَتَلَهَّوْا بها، وأما المجنون الذي يجن أحيانًا ويفيق أحيانًا فيجب عليه الصوم خلال إفاقته، ومن كان عاجزًا عن الصوم لِعِلّةٍ لا يرجى زوالها كالكبير في السن، والمريض بمرض لا يرجى برؤه كالسرطان ونحوه فلا يجب عليه الصيام لعدم استطاعته، فقد قال الله عز وجل: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)[التغابن:16]، وقال أيضًا: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)[البقرة:286]، ولكن يجب عليه أن يكفر عن ذلك بأن يطعم بدل الصيام عن كل يوم مسكينًا، وهنا جعل الله سبحانه وتعالى الإطعام معادلاً للصيام عندما كان التخيير بينهما أول ما فُرِضَ الصيام، حيث توجب أن يكون الإطعام بدلاً عن الصيام عند العجز عنه؛ وذلك لأنه معادل له، وفي هذا قال الإمام البخاري: "وأما الشيخ الكبير إذا لم يطق الصيام فقد أطعم أنس - بعد ما كبر عاماً أو عامين - كل يوم مسكيناً خبزاً ولحماً وأفطر"، وجاء أيضًا عن عطاء أنه سمع ابن عباس يقرأ: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ)[البقرة:184]، قال ابن عباس: "ليست منسوخة، هو للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما، فيطعمان مكان كل يوم مسكينًا".[2]


'من يجب عليه الصوم'

إن صوم رمضان فرض واجب على كل مسلم، بالغ، عاقل، قادر، مقيم سالم من الموانع.



الحكمة من الصيام

في البداية يجب على الجميع معرفة أن الله سبحانه تعالى من أسمائه الحسنى "الحكيم" وهو اسم مشتق من الحُكْم ومن الحِكْمة، فالله عز وجل له مطلق الحكم، وأحكامه سبحانه في غاية الكمال والحكمة والإتقان، ولذلك فإن الله سبحانه وتعالى لم يشرع حكمًا إلا وله فيه حِكَمٌ عظيمة سواء أعلمناها واهتدت عقولنا إليها أم لم نعلمها وغابت حكمتها عنا، وفيما يخص الصيام فقد ذكر الله سبحانه وتعالى الحكمة من مشروعيته وفرضِه في قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[البقرة:183]، فالصيام سبيل من أجل تحقيق التقوى وهي فعل ما أمر الله تعالى به وترك ما نهى عنه، وهنا كان الصيام أحد أعظم الأمور التي تعين العبد على أداء أوامر الدين، ويُشار إلى أن العلماء قد ذكروا بعض الحكم من مشروعية الصيام والتي هي من خصال التقوى، ومنها:[3]


- الصَّيام وَسِيلَةٌ لشكر النعم، حيث إن الصيام هُوَ الامتناع عن الأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ وكلها من أجل النِّعَمِ، وَالامْتِنَاعُ عَنْهَا لفترة من الزمن يُعَرِّفُ قَدْرَهَا، فالنعم مَجْهُولَةٌ فَإِذَا فُقِدَتْ عُرِفَتْ، وهنا يعرف الصائم قدرها ويشكر الله تعالى عليها.

- الصَّيام سبيل لترك المحرمات، حيث تنقاد النَفْس لِلامْتِنَاعِ عَنْ الْحَلالِ رجاءً وطمعًا بمَرْضَاةِ اللَّهِ سبحانه وتَعَالَى وَخشية مِنْ عِقَابِهِ الشديد فَأَوْلَى بها أَنْ تَنْقَادَ إلى الامْتِنَاعِ عَنْ الْحَرَامِ، وبهذا كَانَ الصَّوْمُ سَبَبًا لاتِّقَاءِ مَحَارِمِ اللَّهِ عز وجل.

- يعين الصيام العبد على التغلب على الشَّهْوَةِ، فالنَّفْسَ إذَا شَبِعَتْ تاقت إلى الشَّهَوَاتِ وَإِذَا جَاعَتْ امْتَنَعَتْ عن الهوى، وَلِذَلك قَالَ الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ: مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ)[عبدالرحمن بن يزيد:حديث صحيح].

- في الصيام تدريب للنفس على مراقبة الله سبحانه وتعالى فيتجنب ما تهوى نفسه مع استطاعته عليه لعلمه باطلاع الله تعالى عليه.

- في الصيام تزهيد في الدنيا وملذاتها والترغيب فيما عند الله سبحانه وتعالى.

- في الصيام تعويد على الإكثار من الطاعات وفعل الخيرات، حيث إن الصائم في الغالب يكثر طاعته فيعتاد ذلك.



الفرق بين الصوم والصيام

لا يوجد في القرآن الكريم كلمات مترادفة أبدًا، فعند ذكر كلمة "صيام" بحرف "الياء" فهي تختلف عن كلمة "صوم" بحرف "الواو"، فكلمة "الصيام" يقصد بها القرآن الكريم الامتناع عن الشراب والطعام وباقي المفطّرات من الفجر إلى المغرب، أي الفريضة المعروفة خلال شهر رمضان الكريم، قال سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ)[البقرة:183]، ولم يقل: "كتب عليكم الصوم"، أمّا "الصوم" فهو لفظ مختص باللّسان وليس المعدة، والدليل على أنّ الصوم ليست له علاقة بالشراب والطعام ما ورد في القرآن العظيم: (فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا)[مريم:26]، أي أنّ مريم - عليها السلام - قـد نذرت صومًا وهي تأكل وتشـرب، ويشار إلى أن الصيام لوحده من دون الصوم ﻻ‌ يُلبي الغرض المقصود تماماً لقوله - عليه الصلاة والسلام - في الحديث الشريف: (مَنْ لمْ يدعْ قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أنْ يدع طعامه وشرابه)[أبو هريرة:حديث صحيح]، ولذلك لا بدّ من الصوم مع الصيام لتحقيق المقصد.[4]




  

المراجع

[1]ar.islamway

[2]alimam

[3]islamqa

[4]alkafeel




عدد المشاهدات 2001


Top

Top